الأحد، 28 ديسمبر 2014

عن هزيمتي الشخصية في الثورة

نعم إنها هزيمة شخصية.. لم يكن الأمر بالنسبة لنا نحن مجموعة الحالمين لعبة سياسية، لقد ظلت أرواحنا هناك وسط هدير الغاضبين الذين احتلوا الشوارع والميادين، وبقيت عقولنا معلقة بتلك اللحظة، لحظة النشوة بقرب تحقيق الإنتصار. لقد فتحنا قلوبنا وعقولنا تماما للحلم، وحين انكسر الحلم، انكسرنا معه، تفتتنا إلى أشلاء، وبقينا تائهين غير قادرين على التحرك قدما أو العودة إلى ما قبل ذلك المشهد المقدس. نعم نحن عالقين هناك، في رائحة البطاطا والغاز المسيل للدموع وعرق المتجمهرين، وفي الهتافات التي رجت أركان النظام، وفي الطرقات التي شربت دماء المغدور بهم، عالقين في الحلم والأمل اللذان تحطما في لعبة السياسة والمصالح.

خسرنا الكثير والكثير، خسرنا أرواحا، وخسرنا عيونا، وخسرنا عقولا، وخسرنا عمرا، خسرنا حياتنا السابقة بلا عودة. كيف نمضي قدما نحن المحظوظين قليلا الذين لم ينتهي بهم الحال في قبر أو في سجن أو هائمين في الطرقات؟ كيف نمضي قدما بذلك الشعور الثقيل بالعجز والذنب والألم؟ نعم نحِن إلى حياتنا السابقة، لكن دون قدرة على العودة إليها، فما أدراك وما كسرة الأمل! ربما لا علاقة لك بكسرة الأمل تلك، ولكنك بالتأكيد لست بريئا من كسرات الأمل الأخرى!

كيف تلومني على الذهاب كلما استطعت لانتظار قرار المحكمة في حق الثورة؟ ألدي اي خيارات أخرى؟ أنا الحرة الطليقة التي تمتلك رفاهية الحزن أو اليأس أو حتى الكتابة، ماذا عمن يدفعون الثمن للنهاية؟ رفاق وزملاء وأصدقاء ليس لديهم سوى الإنتظار في زنازين مظلمة لشهور وربما لأعوام، يذوقون فيها مرارة الهزيمة ومرارة الحرمان من الحرية في كل لحظة. ماذا فعلنا نحن وماذا فعلوا هم لنصل إلى تلك اللحظة البائسة؟ أتذكر وجه يارا ووجه نوبي ووجه محمود واتسائل عن الذنب الذي اقترفوه، لم يفعلوا شيئا أكثر مما فعلنا، لكنهم وحدهم يدفعون الثمن! كيف يمكنني تجاهل كل ذلك كأنه لم يكن!

لم ولن أنسحب من حياتي للتعلق بآمال زائفة، ولكني تعلمت صغيرة أن من يبدأ شيئا عليه أن ينهيه، ومن يفعل شيئا يتحمل عواقبه، وأنت تعلم جيدا انني لست هذا الشخص الذي يتهرب من مسئولياته. سأتحمل عواقب الهزيمة للنهاية، مثلما ساتحمل عواقب قراري بالبعد عنك للنهاية. وربما كانت لحظة الإنتصار والأمل هي التي اعادتني إليك يوما، ولكن ما دفعني بعيدا لم يكن هزيمتي في الثورة والتي سأتكفل بها، بل كانت هزيمتي في علاقة تباعدت بيننا فيها كل الطرق!


اليوم صدر حكم الإستئناف على يارا وسناء وغيرهم بعامين حبس، لأنهم طالبوا بنفس مطلبي ومطلب الثورة في الإفراج عن المعتقلين، فكانت النتيجة أن انضموا لهم. لم أشارك في تلك المسيرة ولكني شاركت في غيرها من التظاهرات والفاعليات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وكان من الممكن أن اكون أنا او غيري محلهم أو معهم في السجون! فلما إذا يدفعون الثمن وحدهم؟ وهل نبخل عليهم حتى بالزيارة أو بالحزن؟ عامين كاملين.. اكثر من سبعمائة يوم بلا حرية وبلا حياة وبلا دفء الأقرباء، أتعلم ما هو قدر قسوة وبرودة السجون؟ بالتأكيد لا تعلم، ولا اعلم أنا أيضا. ولكن ما أعلمه جيدا أن تلك القسوة توجعني بشكل شخصي، وأن بكائي وغضبي على الثورة شخصي، وأن هزيمتي الآن، حتى وإن لم أقبل بها، شخصية، لأنني آمنت بالثورة طوق نجاة لي وللإنسانية من تلك الحياة البائسة.

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

النجمة الراقصة

في الواحدة بعد منتصف الليل بعد عشاء لطيف عند أصدقاء قدامى، عائدة إلى منزلي الجديد في سيارة صديق.. الطريق يبدو قصيرا للغاية رغم طول المسافة، صديقي غارق في التفكير، وأنا أيضا غرقت ولكني غرقت في الطريق الخالي إلا من بعض سيارات متناثرة، شعرت ببرد قاسي ربما ضاعفته تلك الألحان الحزينة لأغنية لتوم ويتس لم أسمعها من قبل.. شعرت للحظة أن هذا الطريق الطويل يبدو وحيدا للغاية، أشفقت عليه من كثرة الإطارات المتلاهثة فوقه أو قلتها في الوقت ذاته. شعرت بوحدتي الاختيارية أنا أيضا.  أتسائل إن كان ما فعلته صائبا أم لا، هل كان لدي الإختيار حقا!

تذكرت تلك النجمة الساطعة التي رأيتها اليوم مبكرا من شرفة الأصدقاء، وبدت لي كأنها فتاة ترقص في السماء ويحيط بها المشجعون، حاولت تخمين المسافة بيني وبين تلك النجمة ولكني فشلت بالطبع، كل ما استطعت فهمه أنه بقياس طول تلك المسافة مضروبا في قطر كوكب الأرض وربما المجرة كلها يمكننا قياس اتساع الدنيا. مئات الآلاف من النجوم والكواكب والنيازك والشهب، ومليارات الأميال من الطرق والجبال والبحار والصحاري، ومليارات من الكائنات الحية من بينهم البشر التائهين بين حدود وعوائق سياسية وإقتصادية وطبيعية ونفسية، بالإضافة إلى مليارات الكيلو جرامات من الفراغ الجوي، ومثلهم من الهواء بما يحمله من حياة ومن مليارات الأمتار من طاقات لكائنات حية وحتى جامدة، سابقة وحاضرة ولاحقة، وطاقات للحب والخيانة والكراهية والألم،  للخير والشر والميوعة، للإبداع والاكتشاف والحظ السعيد أو التعس. كيف إذا أشكو من ضيق الدنيا!

أفقت من غرقتي على سيارة لشخص مستهتر تصطدم بنا من ناحيتي، رأيت الموت يقترب مع اقتراب السيارة للباب المجاور لي، ولم أشعر بشئ.. لا يمكنني التيقن إن كنت شعرت بخوف في تلك اللحظة! لم أشعر بخوف من يقترب منه الموت مثلما نسمع من روايات من عادوا من تجارب مماثلة، ها أنا ذا عدت أيضا. أعتقد أن الإنسان لا يشعر بالخوف من الموت في حالتين، إما أن يكون شاعر بسعادة بالغة وتحقق كبير في الحياة بحيث لم يعد يرغب أو يتمنى المزيد، أو أنه يائس تماما للدرجة التي لم يعد يرغب فيها في أي شئ، رغم ما يبدو من إنطباق الحالة الثانية علي، إلا أنني لست بهذا القدر من اليأس بعد، ولكن هذا ليس أمرا هاما،  فالأهم أنني ألحت علي الفكرة التي تسيطر على عقلي كثيرا مؤخرا، وهي كيف أن العمر قصير جدا وقد ينتهي في أقل من لمحة عين!

كيف تفتح تلك الجملة القصيرة التي لا يزيد عدد كلماتها عن عشرة كلمات كل هذا القدر من التساؤلات العبثية والوجودية الآن في الثانية والنصف بعد منتصف الليل؟ لا لن استجيب لهذه التساؤلات المتزاحمة في رأسي.. ليس الآن.. فأنا الآن أفكر في الخسارة، ولكن ألا ترتبط الخسارة أيضا بالعمر القصير؟ بعض الخسارات رغم ما تحمله من ألم لا مفر منها، ولقد كانت خسارتي كبيرة في الأيام الماضية، وعلى مستويات عدة، ولم يحمني إتخاذي للقرار، مثلما تصورت، من هذا القدر الكبير من الألم.. ولكن لا وقت للألم في هذا العمر القصير، المشكلة أنه لا وقت لأي شئ سوى الألم، مهما حاولت جاهدة نسيانه، يحاصرني مجددا.

كم يشعرني نزع الأشخاص عني بالبرودة! ولقد قررت نزع أشخاص كانوا قريبين قرب الجلد من اللحم، أعلم أنني ابدو قاسية في كثير من الأحيان، ولكنني أقسو على نفسي ألف مرة قبل أن اقسو على أحد.. أحيانا أشعر أنه لا أحد يفهمني، ربما أعطي الإشارات الخاطئة، وربما أتصرف بجنون، وربما أتوقع الكثير من القريبين، أو بالأحرى أتوقع ما كنت سأفعله أنا لو كنت محلهم.. لست مثالية كما يقول عني البعض، فربما توقع بعض الأمور هو مجرد غباء، وربما التمسك ببعض المبادئ الإنسانية هو مجرد حماقة..

أكتب كثيرا هذه الأيام، أكتب لأشخاص عابرين وأشخاص قريبين وأشخاص مجهولين، أعطيهم دورا في بعض الأحيان لا يرغبون في أداءه أو لا يستحقونه، وقد ادفعهم بقوة خارج حياتي بقدر رغبتي في ابقائهم وبقدر خوفي من التعلق مجددا. ولكن ماذا إن دفعت الجميع خارج حياتي وبقيت وحيدة؟


تعود الآن النجمة الراقصة إلى مخيلتي، الرفيقة المثالية. لن تتوقع مني شئ ولن أتوقع منها شيئا أنا الأخرى، ستسمع شكواي المتكررة ونواحي كل مساء، وستحاول ان ترسل لي بعض البهجة، ستغوص في سماءات بعيدة حين تمل مني، وسأغلق انا النافذة ببساطة حين أمل منها، لنعود ونلتقي مجددا ربما في خلال سنوات، لنحسب سويا مدى اتساع الدنيا أو ضيقها في ذلك الحين..

الأحد، 7 ديسمبر 2014

فضفضة

قاعدة على الشلتة الملونة قدامي طرابيزة صغيرة عليها لاب توب ومزيكا كئيبة متناسبة مع المرحلة، بفكر وبفتكر وبسأل نفسي ايه الصح اللي عملته وايه الغلط! طب ايه الصح اللي المفروض اعمله وايه الغلط اللي مش المفروض يتعمل!

الحقيقة مش عارفة اقرر في اي حاجة ومش عارفة اقيم اي حاجة وده خاضضني فشخ!! حاجات كتير متلخبطة اكتر من قدرتي دلوقتي على فكها وحلها! وحاجات مش قادرة استوعبها!

ولأني مش قادرة اتعامل مع التوتر واللخبطة، ولأني عارفة اني في وقت مش بدرك حجم الحاجات زي ما هو بالظبط يمكن اقل ويمكن اكتر، فباخد احيانا خطوات ورا عشان احاول افهم ايه اللي بيحصل وانا فين منه!

مش قادرة خالص ان الناس تحملني حاجات مش بتاعتي، او حتى بتاعتي بس مش مقصودة، او ان الناس تبقى بتعملي توتر او ضغط باي شكل من الاشكال..

عارفة اني ببان شخص قوي ومتماسك ومن اللي بيواجهوا الحاجات بابتسامة وصدر رحب دول، وطبعا جزء من ده حقيقي، بس مش دايما بقدر اكون الشخص ده، ساعات بابقى بس محتاجة اقع وانهار، لكن انا حتى مش قادرة انهار دلوقتي.

بحكي وبقول وبفضفض للناس القريبة عشان الدنيا تفك وعشان يمكن الناس تبقى شايفة حاجات انا مش شايفاها، بس الموضوع اكبر من الحكي والفضفضة.. بتعصب وبتجنن وبهيبر وبكتئب وبأفور وبغلوش وبلعب كل الالعاب.

عارفة ان دي مرحلة وهتعدي، اتمنى تعدي قريب وبأقل خساير ممكنة