الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

33

كنت قد توقفت لسنوات عن الكتابة قرب عيد ميلادي عما جرى في العام السابق، لكن هذا العام كان عاما استثنائيا وصعبا بكل ما تحمله الكلمتين من معان، صعبا في تطرفه، واستثنائيا في لحظات تحقق طال انتظارها، صعبا في لحظات ألم نفسي وجسدي، واستثنائيا في بدايات جديدة، ونهايات كانت معلقة..
 
كل القرارات التي اتخذتها هذا العام كانت قرارات صعبة، قررت مرارا بكامل ارادتي، وعلى غير طبيعتي المتسرعة أحيانا، ألا أدخل نفسي في صراعات لا طائل منها، وألا أتحول إلى شخص قاس يملأ قلبه السواد، تعلمت من اصدقاء قريبين جدا إلى قلبي أن اتسامح مع أمور كثيرة، ومع الوقت اصبحت أرى هذه الأمور التي كانت تغضبني في السابق، غير ذات قيمة على الإطلاق، بل في أحيان أجدها مضحكة من شدة تفاهتها..

أنقذني اصدقاء من لحظات غرق في دوامات من الحزن والكآبة دون حتى أن اطلب منهم ذلك، ولازلت أمتلك ميزتي الأفضل على الإطلاق وهي القدرة على البدء من جديد، وجدت قلبي الذي كنت قد أضعته في ركن ما، حين اهدتني الحياة "حبيب من جوة جوة الدواليب" في لحظة يأس وارتباك..
 
اعتزلت كل ما لم أعد انتمي إليه بكل هدوء، وأصبحت اكثر قدرة على التعرف على مشاعر الغضب والحزن حين اشعر بأي منهما، كما تعلمت أن أفرق بينهما، وأن اتعامل معهما لأمضي قدما بقلب نظيف..

قضيت وقتا طويلا إجباريا مع نفسي، كان منتظرا لسنوات، راجعتها وعنفتها وطمأنتها أيضا أن كل شئ سيمر، وبذلت مجهودا ولازلت أبذله كي احتفظ بعقلي وببعض المنطق في التعامل مع كل الجنون المحيط، واظبت على مراقبة نفسي واصلاح ما أفسده الزمن، نجحت حينا، وأنهارت حينا، لكنني حاولت ولازلت أحاول أن أكون نسخة أفضل من نفسي، واعتبر استمرار المحاولة في حد ذاته انجاز كبير..

تعلمت أن العمر قصير جدا، وعلينا أن نختار بعناية، قدر استطاعتنا، كيف نقضيه، وتعلمت أيضا أن اخفض توقعاتي عموما، حتى لا أشعر بالخذلان، حاولت ايضا أن اربي عادات صحية، كأن امشي أكثر، أتناول طعاما صحيا، استيقظ باكرا، باختصار أقلل أو اتخلص من كل ما قد يسمم الحياة..
 
اوشك على الإنتهاء من أمور كانت معلقة منذ سنوات كرسالة الماجستير التي ناقشتها وأنا اقف على قدم واحدة لكنني كنت مسنودة بالود والمحبة، وأنهيت صراعات وأوهاما أيضا أخذت سنوات لأنهيهيا وأتجاوزها تماما، وكان إنجازي الأكبر هذا العام أنني انهيه وانا لا أحمل في قلبي أي ضغينة ..
 
لا أستطع رغم كل الصعاب أن انكر لحظات السعادة المتكررة التي تخللت هذا العام، ففي أحلك الأيام أرسل لي الله علامات كثيرة لطمأنتي أنني لست وحيدة، وأنه لم ينهار كل شئ بعد، وأنني لازلت طالما بي قلب ينبض، قادرة على المحاولة وعلى البدء من جديد، وأنني لازلت محظوظة للغاية ..

أدخل عامي ال 33 بعد اقل من شهر وأنا اشعر ببعض الخفة واللامبالاة وبكثير من الفخر بما حققته وبقدرتي على النجاة، كالعادة لست نادمة على شئ، تخلصت من أعباء كثيرة، مستعدة لما تلقيه الحياة من مفاجآت سارة أو سيئة، قادرة على إعادة ترتيب أولوياتي وفيم أقضي وقتي وطاقتي، أتقبل أكثر من ذي قبل أننا أشخاص معيبون نخطئ ونتعلم ونتغير، وأعلم بشكل أفضل من الأعوام السابقة ما لا أريد، حتى وإن كنت لازلت ارتبك حول ما أريد، والأهم أنني أدخل عامي الجديد قريبا وأنا ممتنة للغاية لكل ما أنعمت به في العام الماضي من لحظات صعبة ولحظات سعادة ومحبة استثنائية..


الخميس، 21 يونيو 2018

كعروس ماريونيت

ترفعني تلك الحبال اللعينة كالعروس الماريونيت، تحركني دون قدرة مني على الحركة، تجبرني على اليقظة، وعلى التعاطي مع جمهور في مسرح متهالك مغمور على أطراف المدينة الحزينة.
أنظر الى سقف المسرح القديم المحطم، والذي تندلي عبره الحبال، صارخة أخاطب السماء، أخبرها أنني أريد فقط أن انهار، اتمنى لو تنقطع الحبال التي تبقيني في تلك المسرحية الرديئة، رغما عني، وتنتهي تلك التمثيلية الرخيصة.
لكن تلك الحبال اللعينة لا تنقطع، وهذا الجمهور اللعين المنبهر ببلاهة يدفعني للجنون، غياب المنطق في تلك الحياة يدفعني أيضا للجنون.
منذ أيام شعرت للمرة الأولى في حياتي أن عروقي تكاد تنفجر، شعرت بالموت يقترب، وفي الحقيقة لم أفزع من الأمر، وأفزعني ذلك كثيرا.
أكتب هذه الكلمات وأنا أبحث عن صندوق قمامة لألقي به كل شئ حققته ولم أحققه في حياتي، كل شئ أحببته، كل شئ تمسكت به، حتى مشاعري الصادقة، واختياراتي الشاقة، أحلامي المتقوصة، انتصاراتي وهزائمي، عندي اللعين، ضعفي وقوتي، أوهامي الوردية عن الحياة، إيماني الساذج بالخير والعدل، قلبي الذي أخرجته من ضلوعي عشرات المرات، كل يوم، ووضعته في كل فعل أفعله، صغيرا كان أم كبير، كل شروري واخطائي، وكل هذا الألم والغضب الذي يورم رأسي.
كل هذا لم يكن له أي قيمة، لم يضف شيئا لتلك الحياة البائسة الظالمة العابسة، التي صفعتني على وجهي عدة مرات، حتى اصبحت لا أتبين هذا الوجه الذي ظننت أنني اعرفه جيدا، ولا أتبن الخطأ من الصواب.
الآن كل شئ يبدو خاطئا، كل شئ يذهب في الاتجاه الخاطئ، لم يعد لي سيطرة على أي شئ، حتى على انفعلاتي الحادة.
لم أعد قادرة على تحمل هذا الألم في رأسى، وهذا الحزن في ضلوعي الخاوية، منذ اخرجت قلبي آخر مرة واضعته في مكان ما، ولا أفهم كيف اشعر بكل وجع القلب هذا بدون قلب.
لست وحيدة، ولكن اشعر بالوحدة، لا أريد التحدث مع أحد، مستعدة لاخسر كل الأشخاص في حياتي بسبب تصرف أحمق أو كلمة غبية.. أغضب كثيرا حين يظن شخص أنه يعرفني حق المعرفة، فيومئ برأسه الفارغ قائلا "انا عارفك/عارفاكي كويس"، يؤسفني عزيزي ان اخبرك أنك لا تعرفني جيدا، ولا تفهم ما أقوله، وهو لا يشبه ما مررت به انت، فمن الغباء والسطحية أن تمسك بكلمة تشبه ما تفكر فيه فتظن أن بيننا حزن مشترك أو هم مشترك، يغضبني الاهتمام والحصار والالحاح ويغضبني السؤال المتكرر "انتي كويسة؟" للدرجة التي تجعلني أود بقوة أن أجيب "وانت مال دين امك" حتى للأصدقاء المقربين.
لم يعد للاشياء قيمة، حتى تلك الكتابة الرديئة، لا تعبر عن شئ، ليس لها قيمة، ولن تترك أثرا سوى في المساحة الضئيلة التي ستأخذها في الفضاء الالكتروني الواسع، الملئ بالكتابات الجيدة والرديئة، بالمشاعر الصادقة والمزيفة، بالحقد والقسوة، بالترهات والعنصرية، بأخبار القتل اليومي وصور الدماء.
ستجد طريقها في النهاية إلى نفس صندوق القمامة الذي سألقي به كل شئ، وستنسى كما يتم نسياننا جميعا، كما ننسى أحبابنا الذين رحلوا، واصدقاؤنا الذين ابتعدوا، وآمالنا العريضة التي لم تنجو في خضام معارك فرضت علينا، ولم نخترها.
حياة ممتلئة بالكلام الفارغ، بالزيف والادعاء، حتى أنا ربما أدعي أمورا غير حقيقية، قربا غير حقيقي، صداقة وهمية، حبا كاذبا، صدقا لا وجود له، 






السبت، 12 مايو 2018

سقوط حر

يبدو أنه قد حان الوقت لأن اترك كل شئ وارحل، مجددا، مخلفة كل تلك الاخفاقات والنجاحات والاضطرابات، كل هذا الحب والغضب، والمحاولات البائسة للتسامح والتقبل والتخلي..
تتنازعني رغبة عارمة في حرق الأرض اليابسة التي اقف عليها، مجددا، فأنا لست بارعة في الوقوف على أرض ثابتة، تغريني دائما الأراض المنزلقة الوعرة، التي تثير فضولي وتثير رغبتي في تحدي نفسي والحياة، كما يستهويني ذلك السقوط الحر في نهاية الرحلة، تلك القفزة النهائية التي اقوم بها في لحظات تهور متكررة.
تلك السقطات، التي اسقطها بارادتي الحرة، قصمت ظهري كثير من المرات، كسرت رقبتي، وأحدثت شرخا في قلبي كل مرة، كما أحدثت شروخا في قلوب هؤلاء الذين تركتهم على القمة، بعد أن طلبوا مني الانتظار وعدم السقوط.
لكنه خطأهم وليس خطأي ان يختاروا التعلق بتلك الفوضى المتحركة، تلك الفوضى التي أعجز عن ترتيبها، تلك الفوضى المختبأة خلف وجه برئ طفولي مبتسم دائما، وضحوك رغم كل الصعاب.
هو خطأهم أيضا بسبب ترددهم الشديد في تجربة السقوط معي، يتراجعون دائما، يخافون كثيرا، وأنا لا احب "الجبناء".
كان هناك مبررا مقنعا، على الأقل بالنسبة لي، لتلك السقطة المفاجئة، بالتأكيد لم تكن أبدا في مواجهة أشخاص، ولكنها بالنهاية كانت في مواجهتهم، الآن هي رغبة فقط، ليس لها مبرر.
أتذكر نظرات الفزع على وجوههم، ونظرة اللامبالاة المبتسمة على وجهي، وأنا الوح اثناء السقوط، اتذكر جيدا شعور التحرر من كل شئ، السعادة البالغة والمؤقتة في المخاطرة وتحدي كل المخاوف، في عدم معرفة إن كنت سأنجو من السقطة، أم ستكون تلك نهايتي.

منذ شهور وأنا احاول ترتيب نفسي الفوضوية المتناثرة، أحاول السيطرة على قلبي المتبعثر في كل مكان، احاول التقليل من الغضب الشديد الذي ينتابني في لحظة، فاحرق كل شئ حولي، ولكنني أشعر انني اقمع نفسي بشدة، اقمع فطرتي، التي ليست بالضرورة سليمة.
النتيجة أن رغبتي في القفزة الحرة عاودتني بشدة، تلح علي كصوت المنبه كل صباح، أقول لنفسي لم يعد هناك شئ هنا، لم يعد هناك أمل هنا، لم يعد هناك سوى مشاعر فاترة زائفة، ملل، لا شئ يثير فضولي الآن، لا اتمسك بشئ سوى للحظات معدودة، لا أرغب في امتلاك شئ او أن يمتلكني شئ في المقابل.
لا أعلم ماذا سأخسر في سقطتي المقبلة، ربما اخسر كل شئ، وربما لا أخسر شئ على الإطلاق، لكنها بالتأكيد ستكون مغامرة ومقامرة ايضا، قد اخرج منها باصابات بالغة، على الأغلب سأدركها لاحقا.
لكن يظل الأمر مغري للغاية، هذه المرة لن ينتظرني أحد، ولن أحاول اقناع أحد بالسقوط معي، ساسقط وحدي تماما، وانهض وحدي تماما، لابدأ من جديد، مجددا.   

ابدو كمن لا يتعلم دروس الحياة ابدا، اتساءل لماذا لا اهدأ واستقر في مكان، اتساءل عن مصدر تلك الرغبة الملحة في التحرك الدائم، في الهروب، في السقوط، وفي التخلي عن كل شئ، حتى لو كان له قيمة لدي.
لا أعطي ابدا الانطباع الصحيح، رغم قدرتي البارعة على التعبير عن نفسي، الا أنني لم اعبر بصراحة في لحظات هامة عما أشعر به، وعما اريده، بل على العكس ربما اخبر الآخرين اشياء هي معاكسة تماما لما احسه أو ارغب به، بل وقد اتصرف أيضا بشكل معاكس تماما، ربما لأنني لم اثق في أشخاص بما يكفي لكشف نفسي أمامهم، رغم ما يظنونه من معرفتهم الجيدة بي.

 أنا غاضبة جدا الآن، غاضبة من قمعي لغضبي، وغاضبة من كل هذا الغضب الذي اشعر به، غاضبة من تلك الفوضى، غاضبة من التنازع الدائم بين المشاعر المتناقضة داخلي، غاضبة من محاولات التسامح والطيبة، ومن فشلي في تحقيقهم أحيانا، غاضبة من مشاعر الحب والكراهية، من العقل والمنطق، غاضبة من عدم الوضوح والحيرة والارتباك الذين يمنعونني أحيانا من الحركة، وغاضبة من عدم قدرتي على الثبات في مكان واحد، غاضبة ممن لم يكونوا جديرين بحبي، غاضبة من جبنهم وارتباكهم، وغاضبة ممن ادعوا محبتي، وغاضبة حتى ممن يحبونني بصدق وأحبهم في المقابل، لذلك ربما ستكون السقطة القادمة مدوية، مفزعة، ولكنها أيضا محررة من كل هذا الغضب.




الخميس، 15 مارس 2018

بلا يأس ولا أمل

بلا يأس ولا أمل، تمر بنا الحياة ولم نعد نمر بها، تتشابه الأيام فيما تتركه بنا من ثقل يبقى للصباحات التالية، صباحات معبأة بالخوف والترقب لخسائر اليوم الجديد، وذكرى ضبابية عن خسائر أيام مضت..
حياة كموسم الربيع، تهاجمك بعواصف ترابية وسط النهار، قبل أن تهديك نسائم باردة منعشة في المساء، فتتركك مرتبكا في انتظار العاصفة التالية..
أحاول جاهدة الآن أن اتذكر كيف تعاملت مع كل خسائري السابقة، كيف مرت؟ كيف بقيت على قيد الحياة؟ ولا اتذكر شيئا.. حتى خسائرنا المشتركة، والتي تبدو كآخر ما يربطنا سويا، لا تجد مكانا واضحا في ذاكرتي المرتبكة..
 كما أن عجزنا المشترك وكل هذا الثقل يا صديقي لم يعد يجعلنا مقربين كما كنا..
تلك الكلمات المنمقة عن الحزن والغضب أصبحت هي الأخرى مبتذلة، لم يعد هناك شيئا جديدا يضاف، لم تعد هناك مشاعرا جديدة نكتشفها وحدنا أو مع آخرين..
ندور في دائرة مفرغة من التكرار، تكرار الأسى والألم والحزن، وتكرار خيبات الحب والكراهية، تكرار أنفسنا واخطائنا، وحماستنا الساذجة وغضبنا المحموم..
يرغمنا روتين الحياة الممل، الذي لطالما حاولنا الهرب منه جاهدين،على التماسك قليلا، وفي حرصنا على هذا التماسك ننسى ما رغبنا به في الحياة، ننسى أحلامنا وطموحاتنا الكبيرة، التي اعطت لحياتنا معنى يوما ما..
عاودني ألم الظهر والرقبة الللذان يمنعاني من الاستيقاظ، ثم يمنعاني من النوم..
عاودني شعوري بالذنب عن كل أخطائي وأخطاء العالم، دون قدرة على التكفير عن تلك الذنوب..
عاودتني الرغبة في الخروج عن جسدي المحدود، في الهروب، الشئ الوحيد الذي ابرع فيه للغاية..
لكني فقدت حتى قدرتي على الهروب، كيف أهرب وانا استغرق ساعتين للقيام من سريري كل صباح!
فقدت إيماني بالكثير من الأمور، وفقدت يقيني من أمور أكثر، ولكن رغم ما فقدت بقى معي قلبي "العلق" الذي يدفعني دفعا كالفراشة الهائمة نحو النيران، وبقى معي رأسي العنيد الذي يدفعني دائما نحو اختيارات شاقة، لم أعد متأكدة من قيمتها في الحقيقة..
نسعى جميعا يا صديقي للتجاوز والتحرر، التحرر من سطوة الألم والخوف، تجاوز الغضب والرغبة في الانتقام، التحرر من شرورنا وارتباكنا، وكل ما يقيد اقدامنا في أرض صلبة، ولكننا نبقى عاجزين عن اصلاح ما يصر الزمن على افساده..







الاثنين، 8 يناير 2018

خفة



كطفل صغير يشير بكفه ملوحا لكل غريب يفترض فيه أن يكون رفيق لعب محتمل.

كسيدة حكيمة تبلغ التسعين، لم يعد لديها ما تخسره، حتى حياتها، فلقد تقبلت كل الخسارات السابقة، وتجاوزت كل ما صاحبها من ألم وفقد ووحدة وارتباك.

كرجل جعله فضوله يعاشر مئات النساء، بل أنه حتى حين انتهى من الأمر عاشر رجالا، وحين انتهى هذا الفضول، لم يعد ينتظر شيئا، ولم يعد يبحث عن شئ.

كقطة صغيرة تلاعب الهواء ظنا منها أن هناك اشباحا يحيطون بها.

كمراهق كسير وجريح خرج لتوه مبتسما من مشاجرة مع رفاقه الذين يضايقونه باستمرار، شاعرا بخفة أن لا شئ اسوأ من ذلك يمكن حدوثه.

كفتاة صغيرة ساذجة ظنت لتوها أنها رأت حبيب عمرها يمر بالجوار.

كصديقين مقربين ينظران لبعضهما البعض في عزاء صديق آخر نظرة مطمئنة لوجودهما معا في مواجهة هذا الأمر.

كابتسامة محمود صديقي اللا مبالية بما قد تفعله به الحياة، الحياة التي لفظته مبكرا.

كراحة ذلك الرجل الذي خسر كل شئ يملكه في يوم تعس، فأوجد وسط الظلمة شغفا للبدء من جديد.

ككل البدايات الخفيفة، وكل النهايات المؤلمة.

كلحظات الدهشة والانبهار بكل تجربة جديدة.

كهدير الأمواج التي سميت بصوتها، تصعد بعنف مثلما تخفت بعنف أيضا.

كالحياة والموت واليقين بعدم القدرة على السيطرة على أي شئ.

كالهواء الذي يبقينا أحياء.

ككل هؤلاء سأسير في طرقات دون وجهة.

ككل هؤلاء ساسعى للخفة.

Painting by Salvador Dali