الجمعة، 22 نوفمبر 2019

بين المنطق والجنون

كل شئ في هذا الزمان اصبح بين بين، بل أن هذا الزمن نفسه هو بين بين، يبدو هذا الزمان مائعا بشكل استثنائي، لا لون له ولا رائحة، كأنه سقطة بين زمنين، زمن الانتصار الكامل والهزيمة الكاملة، لا في الحقيقة هو زمن اللا هزيمة واللا انتصار!

ونحن نشبه هذا الزمن غير مهزومين للنهاية وغير منتصرين للنهاية، ندور في دائرة بين اليأس والأمل، بين الخير والشر، بين القوة والضعف، بين الحياة والموت، بين البطولة والاستغلال، لم نعد ملائكة، ولم نصبح بعد شياطين!

تمر أسعد الاوقات حزينة، وتمر أحزن الأوقات سعيدة، لا فرح ولا حزن، كل حزن ناقص، وكل فرح ناقص، لم نعد نميز بين الفشل والنجاح، فما نظنه نجاحا ساحقا هو فشل للإنسانية ربما، وما نظنه فشلا، هو ربما أنجح الأمور في حياتنا!

قلوبنا مثقلة بالمكاسب، كل ما كسبناه خسرنا أمامه الكثير، ولكن لا أحدا في هذا الزمان يحسب خسائره! ذاكرتنا باتت لعينة، تذكرنا دائما بكل ما فقدناه في الطريق، كل ما تركناه عمدا، وكل ما تركنا، بينما اصبحنا ننسى أسمائنا كل صباح!

 ننظر لدقائق في المرآة لنتعرف على نفوسنا التائهة، ولكننا لا نتذكر أخطائنا، فنعيدها من جديد، فنبقى عالقين أيضا بين خطأين وربما بين عدة أوهام نظنها هي الحقيقة، نخرج إلى العالم لنسير في طريق بين محطتين، ونظن أن هذا الطريق هو أيضا الطريق الصحيح! 

لكننا صرنا على هذا الطريق لأيام طويلة، لا نصل ولا نعود!

اما أنا، فلا أختلف كثيرا عن الزمان والناس، تائهة ايضا بين طريقين، خيارين، ودائما بين محطتين، لا أستقر في مكان، لا يستقر عقلي وقلبي أبدا، أدور دائما بين مشاعر عدة وعشرات من الأفكار!

أحاول منطقة كل شئ حولي، لكن كيف لعاقل أن يحاول منطقة الجنون! ذلك المنطق الذي تمسكت به عبر السنين كطوق نجاة، كان مدخلي لفهم الحياة، رغم يقيني أن مجريات الحياة لا تخضع لمنطق!

 الأقدار لا تخضع لمنطق، القلق الذي يأكل رأسي في كل ثانية بأفكاره السوداوية وسيناريوهات نهاية العالم لا يخضع للمنطق! ولكن ها أنا ذا محتضنة ما أعتبره منطقا، ظنا مني أنه عين العقل بينما أنا أتجه بخطوات ثابتة نحو الجنون!

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

34

أيام قليلة تفصلني عن عامي الرابع والثلاثين، أيام قليلة وينتهي عام استثنائي للغاية في حياتي. لازلت في الحقيقة أشعر أنني إبنة العشرين، ولازلت أعتقد أن العمر لا يحسب بالأرقام، رغم بعض الشعرات البيضاء التي نبتت في رأسي، ورغم صحتي التي بإمكاني ملاحظة أنها لم تعد عفية مثلما كانت، وحاجتي الشديدة لممارسات صحية اكثر من السنوات الماضية. 

 

خلال عامي الماضي استيقظت في أيام كفراشة تخرج من شرنقتها، بينما لم يساعدني جسدي الثقيل في أيام أخرى على القيام من الفراش، تعلمت أيضا دروسا قاسية للغاية هذا العام. تملكني الحزن والألم لأيام وأسابيع ربما، وتمكنت مني نوبات غضب وخوف وقلق، وواجهت هذا العام أسوأ مخاوفي على الإطلاق، الوحدة، وهزمت خوفي وتصالحت مع صحبتي.

 

كنت أيضا سعيدة الحظ بما يكفي هذا العام أن أتجول حول العالم، بين ثلاث قارات، والكثير من المدن، أن أتعلم بضع كلمات من لغات قضيت بعض الوقت مع متحدثيها. تهت في شوارع لا أعرفها، وابتسمت للغرباء، تذوقت طعاما لأول مرة، وشربت في صحة الحياة في عشرات المقاهي والبارات. تعاملت بعملات جديدة، سبحت في المحيط، ورأيت الدلافين والغزلان والسناجب، وأشعلت شمعا في كنائس في نهاية العالم متمنية عشرات الأمنيات.

 

رأيت وجوها كثيرة للطف العالم وطيبته، كما رأيت وجوها لقبحه وشره، غير تلك التي اعتادتها حيث أعيش. أنهي هذا العام كغريبة ربما، في بلاد بعيدة، لم تعد غريبة، آلفها الآن وأحبها، فلقد كانت بيتي لبعض الوقت، وكانت طيبة وودودة للغاية. 

 

خسرت أصدقاءا هذا العام، وكانت بعض هذه الخسارات حزينة، وصنعت أصدقاءا جدد في كل مدينة زرتها. كل الأحداث التي بدت سيئة في البداية، اتضح أنها كانت للخير لاحقا. كنت على بعد بضع أميال من كارثة طبيعية، لا أعلم حتى الآن كيف تعاملت معها بكل هذا الهدوء، وكنت أيضا هذا العام على بعد نصف ساعة من حادث مروع، ربما كان أودى بحياتي. 

 

أنهي هذا العام دون ضغينة في قلبي لأي شخص، أخذت وقتا طويلا كي أسامح من كل قلبي، حتى أكثر التصرفات شرا وأنانية سامحتها، كان الأمر صعبا للغاية، وكان الأصعب على الإطلاق أن أسامح نفسي. لا أريد أن يلتهمني الغضب والكراهية، لا أريد أن أكون تعيسة، أريد أن أمضي قدما بقلب منفتح وروح خفيفة حرة.

 

لست نادمة على أي شئ، كنت صادقة في كل ما فعلت، ربما تخليت قليلا عن احتفائي المبالغ به بقدرتي على التخلي، رغم أنني لن أتخلى عن هذه القدرة، وسأظل استخدمها في الوقت المناسب، دون تباهي، ودون تردد أيضا. 

 

حقتت هذا العام الكثير أيضا، الذي أفخر به، حصلت على شهادة الماجستير أخيرا، ونشرت لي بعض النصوص مرسومة  في مطبوعة صغيرة تحمل اسمي واسم رسام كوميكس موهوب للغاية. عموما أظنني حققت شيئا ما هنا أو هناك يذكر على مدار حياتي، وفي هذا العام بالتحديد.

 

لازلت بالطبع ليست لدي قدرة على حل مشاكلي، ولا مشكلات العالم، لازلت غير قادرة بشكل كبير على فهم النفس البشرية وتعقيدات العالم من حولنا، لكن يمكنني الإدعاء أنني قطعت شوطا، وأن هذا الشوط جعلني أكثر حيرة وتشكك.

 

حققت كثيرا من الأحلام، ولا يمكنني إلا أن أكون ممتنة، تلقيت محبة استثنائية، وأعطتني الحياة هذا العام فرصا كبيرة، أتمنى أن تكن مستحقة، منها ما أظنه غير حياتي بشكل كبير. 

 

أدخل هذا العام راضية، وأتمنى في عامي الجديد أن أكون ربما أكثر شجاعة وأكثر لينا ومرونة، أن أكون أكثر طيبة وأكثر تسامحا، أكثر محبة وأكثر تفهما، أقل غضبا وأقل تململا، كما أتمنى أن يكون لدي القدرة على أن أرى السلام والسعادة في تفاصيل الحياة الصغيرة.