أيام قليلة تفصلني عن عامي الرابع والثلاثين، أيام قليلة وينتهي عام استثنائي للغاية في حياتي. لازلت في الحقيقة أشعر أنني إبنة العشرين، ولازلت أعتقد أن العمر لا يحسب بالأرقام، رغم بعض الشعرات البيضاء التي نبتت في رأسي، ورغم صحتي التي بإمكاني ملاحظة أنها لم تعد عفية مثلما كانت، وحاجتي الشديدة لممارسات صحية اكثر من السنوات الماضية.
خلال عامي الماضي استيقظت في أيام كفراشة تخرج من شرنقتها، بينما لم يساعدني جسدي الثقيل في أيام أخرى على القيام من الفراش، تعلمت أيضا دروسا قاسية للغاية هذا العام. تملكني الحزن والألم لأيام وأسابيع ربما، وتمكنت مني نوبات غضب وخوف وقلق، وواجهت هذا العام أسوأ مخاوفي على الإطلاق، الوحدة، وهزمت خوفي وتصالحت مع صحبتي.
كنت أيضا سعيدة الحظ بما يكفي هذا العام أن أتجول حول العالم، بين ثلاث قارات، والكثير من المدن، أن أتعلم بضع كلمات من لغات قضيت بعض الوقت مع متحدثيها. تهت في شوارع لا أعرفها، وابتسمت للغرباء، تذوقت طعاما لأول مرة، وشربت في صحة الحياة في عشرات المقاهي والبارات. تعاملت بعملات جديدة، سبحت في المحيط، ورأيت الدلافين والغزلان والسناجب، وأشعلت شمعا في كنائس في نهاية العالم متمنية عشرات الأمنيات.
رأيت وجوها كثيرة للطف العالم وطيبته، كما رأيت وجوها لقبحه وشره، غير تلك التي اعتادتها حيث أعيش. أنهي هذا العام كغريبة ربما، في بلاد بعيدة، لم تعد غريبة، آلفها الآن وأحبها، فلقد كانت بيتي لبعض الوقت، وكانت طيبة وودودة للغاية.
خسرت أصدقاءا هذا العام، وكانت بعض هذه الخسارات حزينة، وصنعت أصدقاءا جدد في كل مدينة زرتها. كل الأحداث التي بدت سيئة في البداية، اتضح أنها كانت للخير لاحقا. كنت على بعد بضع أميال من كارثة طبيعية، لا أعلم حتى الآن كيف تعاملت معها بكل هذا الهدوء، وكنت أيضا هذا العام على بعد نصف ساعة من حادث مروع، ربما كان أودى بحياتي.
أنهي هذا العام دون ضغينة في قلبي لأي شخص، أخذت وقتا طويلا كي أسامح من كل قلبي، حتى أكثر التصرفات شرا وأنانية سامحتها، كان الأمر صعبا للغاية، وكان الأصعب على الإطلاق أن أسامح نفسي. لا أريد أن يلتهمني الغضب والكراهية، لا أريد أن أكون تعيسة، أريد أن أمضي قدما بقلب منفتح وروح خفيفة حرة.
لست نادمة على أي شئ، كنت صادقة في كل ما فعلت، ربما تخليت قليلا عن احتفائي المبالغ به بقدرتي على التخلي، رغم أنني لن أتخلى عن هذه القدرة، وسأظل استخدمها في الوقت المناسب، دون تباهي، ودون تردد أيضا.
حقتت هذا العام الكثير أيضا، الذي أفخر به، حصلت على شهادة الماجستير أخيرا، ونشرت لي بعض النصوص مرسومة في مطبوعة صغيرة تحمل اسمي واسم رسام كوميكس موهوب للغاية. عموما أظنني حققت شيئا ما هنا أو هناك يذكر على مدار حياتي، وفي هذا العام بالتحديد.
لازلت بالطبع ليست لدي قدرة على حل مشاكلي، ولا مشكلات العالم، لازلت غير قادرة بشكل كبير على فهم النفس البشرية وتعقيدات العالم من حولنا، لكن يمكنني الإدعاء أنني قطعت شوطا، وأن هذا الشوط جعلني أكثر حيرة وتشكك.
حققت كثيرا من الأحلام، ولا يمكنني إلا أن أكون ممتنة، تلقيت محبة استثنائية، وأعطتني الحياة هذا العام فرصا كبيرة، أتمنى أن تكن مستحقة، منها ما أظنه غير حياتي بشكل كبير.
أدخل هذا العام راضية، وأتمنى في عامي الجديد أن أكون ربما أكثر شجاعة وأكثر لينا ومرونة، أن أكون أكثر طيبة وأكثر تسامحا، أكثر محبة وأكثر تفهما، أقل غضبا وأقل تململا، كما أتمنى أن يكون لدي القدرة على أن أرى السلام والسعادة في تفاصيل الحياة الصغيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق