الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019

عزيزتي ندى

الموت هذه المرة يا عزيزتي أفقدني الخيط الرفيع الباقي من الأمل في أن الحياة عادلة. الحياة ليست عادلة، الحياة قاسية وظالمة، لتتركينا هكذا بهذه السرعة!

بالأمس فكرت بك، قبل أن يأتيني الخبر الأخير، حين ظهر لي برنامج حماية على شاشة الكمبيوتر كنتي قد نصحتيني باستخدامه قبل سنوات!

 في الحقيقة كنتي تأتين على بالي كثيرا مؤخرا، لكنني لم أتصل بك، ولم أزرك حين مرضت، انشغلت بأموري وسفري ولم أودعك يا عزيزتي، ولم أخبرك أنني أفتقدك وأنني أفكر بك كثيرا، لكن هذا ذنب لن أطلب غفرانه، فلن يمحوه شيئا!

 أتمنى فقط أن تكوني قد رحلتي وسط المحبة، أن تكوني قد علمتي أن حياتك القصيرة الصعبة تلك عنت لبعض الأشخاص الكثير، أتمنى ألا تكوني رحلتي وحيدة يا عزيزتي! 

سأتذكر صباحاتنا سويا وجلسات الحكي في الدوبليكس دائما، وأعدك أنني لن أقتل برص أبدا مجددا، حتى لا تغضبي!

أنا آسفة جدا جد!

أتمنى لك الراحة يا عزيزتي!

إلى لقاء!

الجمعة، 22 نوفمبر 2019

بين المنطق والجنون

كل شئ في هذا الزمان اصبح بين بين، بل أن هذا الزمن نفسه هو بين بين، يبدو هذا الزمان مائعا بشكل استثنائي، لا لون له ولا رائحة، كأنه سقطة بين زمنين، زمن الانتصار الكامل والهزيمة الكاملة، لا في الحقيقة هو زمن اللا هزيمة واللا انتصار!

ونحن نشبه هذا الزمن غير مهزومين للنهاية وغير منتصرين للنهاية، ندور في دائرة بين اليأس والأمل، بين الخير والشر، بين القوة والضعف، بين الحياة والموت، بين البطولة والاستغلال، لم نعد ملائكة، ولم نصبح بعد شياطين!

تمر أسعد الاوقات حزينة، وتمر أحزن الأوقات سعيدة، لا فرح ولا حزن، كل حزن ناقص، وكل فرح ناقص، لم نعد نميز بين الفشل والنجاح، فما نظنه نجاحا ساحقا هو فشل للإنسانية ربما، وما نظنه فشلا، هو ربما أنجح الأمور في حياتنا!

قلوبنا مثقلة بالمكاسب، كل ما كسبناه خسرنا أمامه الكثير، ولكن لا أحدا في هذا الزمان يحسب خسائره! ذاكرتنا باتت لعينة، تذكرنا دائما بكل ما فقدناه في الطريق، كل ما تركناه عمدا، وكل ما تركنا، بينما اصبحنا ننسى أسمائنا كل صباح!

 ننظر لدقائق في المرآة لنتعرف على نفوسنا التائهة، ولكننا لا نتذكر أخطائنا، فنعيدها من جديد، فنبقى عالقين أيضا بين خطأين وربما بين عدة أوهام نظنها هي الحقيقة، نخرج إلى العالم لنسير في طريق بين محطتين، ونظن أن هذا الطريق هو أيضا الطريق الصحيح! 

لكننا صرنا على هذا الطريق لأيام طويلة، لا نصل ولا نعود!

اما أنا، فلا أختلف كثيرا عن الزمان والناس، تائهة ايضا بين طريقين، خيارين، ودائما بين محطتين، لا أستقر في مكان، لا يستقر عقلي وقلبي أبدا، أدور دائما بين مشاعر عدة وعشرات من الأفكار!

أحاول منطقة كل شئ حولي، لكن كيف لعاقل أن يحاول منطقة الجنون! ذلك المنطق الذي تمسكت به عبر السنين كطوق نجاة، كان مدخلي لفهم الحياة، رغم يقيني أن مجريات الحياة لا تخضع لمنطق!

 الأقدار لا تخضع لمنطق، القلق الذي يأكل رأسي في كل ثانية بأفكاره السوداوية وسيناريوهات نهاية العالم لا يخضع للمنطق! ولكن ها أنا ذا محتضنة ما أعتبره منطقا، ظنا مني أنه عين العقل بينما أنا أتجه بخطوات ثابتة نحو الجنون!

الأربعاء، 6 نوفمبر 2019

34

أيام قليلة تفصلني عن عامي الرابع والثلاثين، أيام قليلة وينتهي عام استثنائي للغاية في حياتي. لازلت في الحقيقة أشعر أنني إبنة العشرين، ولازلت أعتقد أن العمر لا يحسب بالأرقام، رغم بعض الشعرات البيضاء التي نبتت في رأسي، ورغم صحتي التي بإمكاني ملاحظة أنها لم تعد عفية مثلما كانت، وحاجتي الشديدة لممارسات صحية اكثر من السنوات الماضية. 

 

خلال عامي الماضي استيقظت في أيام كفراشة تخرج من شرنقتها، بينما لم يساعدني جسدي الثقيل في أيام أخرى على القيام من الفراش، تعلمت أيضا دروسا قاسية للغاية هذا العام. تملكني الحزن والألم لأيام وأسابيع ربما، وتمكنت مني نوبات غضب وخوف وقلق، وواجهت هذا العام أسوأ مخاوفي على الإطلاق، الوحدة، وهزمت خوفي وتصالحت مع صحبتي.

 

كنت أيضا سعيدة الحظ بما يكفي هذا العام أن أتجول حول العالم، بين ثلاث قارات، والكثير من المدن، أن أتعلم بضع كلمات من لغات قضيت بعض الوقت مع متحدثيها. تهت في شوارع لا أعرفها، وابتسمت للغرباء، تذوقت طعاما لأول مرة، وشربت في صحة الحياة في عشرات المقاهي والبارات. تعاملت بعملات جديدة، سبحت في المحيط، ورأيت الدلافين والغزلان والسناجب، وأشعلت شمعا في كنائس في نهاية العالم متمنية عشرات الأمنيات.

 

رأيت وجوها كثيرة للطف العالم وطيبته، كما رأيت وجوها لقبحه وشره، غير تلك التي اعتادتها حيث أعيش. أنهي هذا العام كغريبة ربما، في بلاد بعيدة، لم تعد غريبة، آلفها الآن وأحبها، فلقد كانت بيتي لبعض الوقت، وكانت طيبة وودودة للغاية. 

 

خسرت أصدقاءا هذا العام، وكانت بعض هذه الخسارات حزينة، وصنعت أصدقاءا جدد في كل مدينة زرتها. كل الأحداث التي بدت سيئة في البداية، اتضح أنها كانت للخير لاحقا. كنت على بعد بضع أميال من كارثة طبيعية، لا أعلم حتى الآن كيف تعاملت معها بكل هذا الهدوء، وكنت أيضا هذا العام على بعد نصف ساعة من حادث مروع، ربما كان أودى بحياتي. 

 

أنهي هذا العام دون ضغينة في قلبي لأي شخص، أخذت وقتا طويلا كي أسامح من كل قلبي، حتى أكثر التصرفات شرا وأنانية سامحتها، كان الأمر صعبا للغاية، وكان الأصعب على الإطلاق أن أسامح نفسي. لا أريد أن يلتهمني الغضب والكراهية، لا أريد أن أكون تعيسة، أريد أن أمضي قدما بقلب منفتح وروح خفيفة حرة.

 

لست نادمة على أي شئ، كنت صادقة في كل ما فعلت، ربما تخليت قليلا عن احتفائي المبالغ به بقدرتي على التخلي، رغم أنني لن أتخلى عن هذه القدرة، وسأظل استخدمها في الوقت المناسب، دون تباهي، ودون تردد أيضا. 

 

حقتت هذا العام الكثير أيضا، الذي أفخر به، حصلت على شهادة الماجستير أخيرا، ونشرت لي بعض النصوص مرسومة  في مطبوعة صغيرة تحمل اسمي واسم رسام كوميكس موهوب للغاية. عموما أظنني حققت شيئا ما هنا أو هناك يذكر على مدار حياتي، وفي هذا العام بالتحديد.

 

لازلت بالطبع ليست لدي قدرة على حل مشاكلي، ولا مشكلات العالم، لازلت غير قادرة بشكل كبير على فهم النفس البشرية وتعقيدات العالم من حولنا، لكن يمكنني الإدعاء أنني قطعت شوطا، وأن هذا الشوط جعلني أكثر حيرة وتشكك.

 

حققت كثيرا من الأحلام، ولا يمكنني إلا أن أكون ممتنة، تلقيت محبة استثنائية، وأعطتني الحياة هذا العام فرصا كبيرة، أتمنى أن تكن مستحقة، منها ما أظنه غير حياتي بشكل كبير. 

 

أدخل هذا العام راضية، وأتمنى في عامي الجديد أن أكون ربما أكثر شجاعة وأكثر لينا ومرونة، أن أكون أكثر طيبة وأكثر تسامحا، أكثر محبة وأكثر تفهما، أقل غضبا وأقل تململا، كما أتمنى أن يكون لدي القدرة على أن أرى السلام والسعادة في تفاصيل الحياة الصغيرة.

 

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2019

هروب

أذكر ذلك اليوم جيدا، كان فتح ذلك الباب هو سبيلي الوحيد للهروب، من سجن متكرر، ولكن كانت المشكلة أنني علي كسره، فإن نجحت المحاولة، نجوت بنفسي، وإن فشلت المحاولة أصبحت سجينة مدى الحياة. 

كان قرار صعبا للغاية في سن صغير، ولكن الغضب وشعوري بالإهانة دفعاني للإختيار الصحيح. 

مضت ساعات وأنا أحاول كسر هذا الباب، ثم مضت ساعات أخرى مفزعة وأنا أحاول فتح الباب المكسور، وفي رأسي فكرة واحدة، أن محاولتي للهرب فشلت، وأن سجاني سيعود في أي لحظة، ولن أهرب أبدا.

كان هذا اليوم من أكثر الأيام رعبا في حياتي، حتى أن الباب اللعين حين انفتح، وقعت على الأرض لفترة زمنية بدت وكأنها دهرا باكية مصدومة ومشلولة الحركة، قبل أن أستجمع قوتي مجددا وأقف دافعة ذلك الباب، واهرب دون عودة.

لم يستطع أحد سجني منذ ذلك اليوم، لأنني أصبحت معتادة الهروب.

Oh no I see.. A spider web and it's me in the middle ..So I twist and turn..Here am I in my little bubble

السبت، 3 أغسطس 2019

عن الألفة والإغتراب

يسخر مني الأصدقاء مؤخرا حين أبالغ في التعبير عن مشاعري بالغربة. معهم حق ربما، فأنا أتحدث عن الغربة بعد شهر واحد فقط من إقامتي في النصف الآخر من العالم، وهي الإقامة التي تمتد بالأساس لعدة أشهر وليست لبضع سنوات. في الحقيقة رغم الشمس الساطعة التي تذكرني بمدينتي المركبة والمحببة القاهرة، ورغم فهمي للغة البلد التي أعيش بها حاليا، وهي جميعها اسباب تشعرني ببعض الألفة، إلا أن تلك الألفة لا تمنع احساسي ايضا بالاغتراب.

لست متأكدة إن كنت وصلت إلى هذه القارة البعيدة وأنا محملة بالفعل ببعض مشاعر الإغتراب، ربما. بدأ الإغتراب في الحقيقة مع تلك المسافة التي قطعت بعضها اختياريا وبعضها الآخر إجباريا في موطني قبل أن أقطع المسافة سفرا إلى آخر العالم.

ولكن هنا الإغتراب أمر آخر، هو نوبة الفزع التي أشعر بها حين أريد أن "اروح البيت"، ولكن لا بيت أذهب له، حتى وإن بدأت في الاعتياد على منزلي الجديد هنا، ولكنه ليس به كنبتي التي أختبئ بها لأيام هربا من كل شئ. يأتي هذا الإغتراب في نوبة فزع حين أشعر أنني وحيدة، وأنني سأصبح منسية بسبب الغياب، رغم الألفة التي نشأت حول صداقات جديدة هنا.

في الواقع أنا أعلم أيضا أنني أتمسك بالأشياء أكثر مما ينبغي، وعادة ما أتمسك بها اكثر فور أن أتركها، وفي الأغلب سأشعر بالحزن الشديد والغربة لبعض الوقت حين أعود إلى تلك الكنبة التي أحن إليها الآن، بعد أن أكون ألفت تفاصيلي هنا. 

أشفق على نفسي وعلى الإنسان من قسوة التغيير، هو مفزع حتى لو كان جميلا ومشرقا، وحتى لو سعينا نحوه. 

أتخيل الغربة في مشهد شجرة قديمة تم خلعها من مكانها في الغابة، وزرعها في رصيف على الطريق. رغم أنني لست من الأبراج الفلكية الترابية، وبالتالي لست من هواة الاستقرار كثيرا، إلا أن هذا الخلع مؤلما في بعض الأحيان.

كل هذا لا يعني أنني غير سعيدة، أظن أن الشهر الأول كان الأصعب، ولكن رغم صعوبته تخللته ألفة وسط الصداقات الجديدة، وسط الأمواج، تخللته سعادة ساذجة بكل اكتشاف جديد.

اليوم ذهبت بكل اعتيادية لشحن أبونيه المواصلات، وتجديد خط هاتفي الجديد، وللحظة شعرت أنني أصبحت جزء من المكان. بضع تفاصيل صغيرة ستشعرك بالحزن وأخرى أصغر ستشعرك بالألفة، غريب أمر الإنسان، اسيقظت في أيام أشعر بنوبة فزع بسبب غربتي ووحدتي، وفي الأيام التالية كنت اسير بكل ثقة في الشوارع مع أصدقاء، بدوا كأنهم عشرة سنوات، أو كنت أسير وحدي في شوارع لا أعرفها بكل أريحية أبتسم للحياة.

السبت، 13 يوليو 2019

ذاكرة خارجية

لطالما امتلكت بشرة حساسة، لكن في السنوات الأخيرة، أصبح جلدي مفرط الحساسية، ربما انعكاسا لشدة حساسيتي أنا أيضا تجاه الحياة مؤخرا. عضة حشرة صغيرة بحجم نملة أو ناموسة ستبقى على جلدي لعدة أيام، وربما أسابيع، وجرح صغير بسكين او بأظافر كلبي الصغير ستبقى لشهور. بعض التوتر سيجعلني أعاني من اكزيما لعدة أسابيع.

أنظر إلى كل العلامات على جلدي متذمرة، وأدرك أن كل ما احاول اخفاءه داخلي، يتسرب رغما عني إلى الخارج، يتحداني ليترك أثره، فأرى كل علامة، صغيرة أو كبيرة دائمة أو مؤقتة باقية على جلدي، تذكرني بحدث ما مؤثر أو تافه، لكني لا أود بالضرورة أن أتذكره.

في ذلك البيت الذي أسكن به مؤقتا، دار الحديث كثيرا عن الثعابين التي تعيش في المنطقة المحيطة بالمنزل، ورغم ما أثاره الحديث من توتر - فأنا صاحبة الأرق المزمن، أتوتر من كل شئ ولا شئ، فماذا عن شئ مثل التعابين-  لكنني في النهاية تأملت الثعابين، منبهرة بقدرتها على تغيير جلدها لتعود شابة من جديد. لم استطع أبدا تغيير جلدي، تقول لي صديقاتي وطبيبتي النفسية أنني ابقى متعلقة بالماضي أكثر مما ينبغي، وأقلق حيال المستقبل أيضا أكثر مما ينبغي، فتفوتني اللحظة الحاضرة.

الآن أتمنى أن استطيع أن أغير جلدي مثل الثعابين، فتختفي كل علامات الذاكرة من عليه، وتعود ذاكرتي شابة، غير مثقلة بشئ، ربما حينها فقط سأصبح أكثر تورطا في اللحظة الحاضرة.

الأحد، 28 أبريل 2019

تلال مكومة

كنت أخبر صديقا اليوم أن يأخذ كامل وقته في الحزن
حتى يشفى تماما
أخبرته أن ذلك افضل بكثير من أن يكوم حزنه أسفل سجادته
وانتبهت أنني في الحقيقة كنت أذكر نفسي أيضا
بفضلات الألم والحزن التي نجحت تماما في اخفائها تحت سجاد منزلي
حتى أصبح لدي تلال مكومة من الحزن المؤجل والألم المكتوم 
وخيبات الأمل التي اخفيتها داخل أوراقي الملونة




الخميس، 28 فبراير 2019

حين تكون الحياة مصادفة

كنت استعد لهذه الأجازة القصيرة منذ أيام، اشتريت تذكرتي ذهابي وعودتي مسبقا، ثلاثة أيام سأقضيها بعيدا عن الضغوط أخيرا، فكما نصحتني طبيبتي، بعد نوبة قلق عنيفة، أمرضتني جسديا، قررت الذهاب إلى المدينة الساحلية، التي أهرب إليها دوما، بعد أحد الانهيارات..

حقيبتي كانت جاهزة في اليوم السابق، كنت متحمسة للغاية، استيقظت في الصباح، وقررت أن يكون يوما طيبا، فقررت تناول الفطور والقهوة، على أن أكون في محطة القطار نصف ساعة قبل الموعد. أنا شخص في العادة سئ المواعيد، اتأخر دائما، ودائما ما أشعر بالحرج والأسف بسبب تأخري، لكنني في العادة لا اتأخر أبدا على مواعيد القطارات والطائرات، ينتابني التزام وحرص، لا يشبهانني في الحقيقة، ولم يفوتني قطار أبدا او طائرة، قبل اليوم..

لم أنتبه للوقت في هذا الصباح، وكنت أحاول طمأنة كلبي المتوتر من نزولي، أنني سأعود، بدأت أشعر بالتوتر أنا الأخرى، أن القطار سيفوتني، نزلت مسرعة على أمل أن أصل في عشر دقائق على الأكثر، وهو الوقت الطبيعي بيني وبين المحطة، إلا أن سائق التاكسي، قرر أن يمر بأكثر الشوارع زحاما، فأخذ الطريق حوالي النصف ساعة،  أخبرت السائق لائمة وغاضبة "كده القطر فاتني"، وعلى باب المحطة جائتني مكالمة أن هناك أمر ما مقلق بجوار المحطة، أنهيت المكالمة سريعا، لأركض لداخل المحطة، ربما يكون القطار قد تأخر خمسة دقائق، وحين وصلت فهمت أنني لم يفتني شيئا سوى الموت، أو التشوه، أو تروما جديدة تزيد من نوبات القلق..

نصف ساعة فصلتني عن حادث محطة القطار المفجعة التي جرت صباح الأربعاء، نصف ساعة فقط، لطالما كنت منبهرة بما يصنعه الوقت، وكيف يتدخل القدر والمصادفة في مصائر الأشخاص، بفارق ثوان أو دقائق، ولم أتخيلني في نفس الموقف من قبل. وقفت وسط المتجمهرين حول المحطة، بعد ثوان من عدم الفهم لما يجري، أدركت حجم الكارثة بالداخل، أخرجت هاتفي وقمت بتصوير المشهد، وكان من الطبيعي ومن الواجب أن اقوم بعملي كصحفية، وأحاول الدخول، لكني لم أستطع،  في السنوات الماضية رأيت الموت عدة مرات، ونجوت من الموت عدة مرات أيضا، لمصادفات مختلفة، ولكن تلك المرة كانت مختلفة، ربما لم أعد بنفس صلابتي السابقة، ربما أصبحت أكثر هشاشة، لكنني لم أتوقف عن الشعور بأنني كنت سأكون معهم بالداخل لو وصلت قبل دقائق، وهربت من المكان كله، بعد أن تملكني الفزع..

قلت لنفسي كتب الله لي النجاة، فكيف بي أن أدخل  هناك، انا أعلم انني ما كنت لأتجاوز المشاهد التي رأيتها لاحقا، لو كنت رأيتها بعيني، كانت ستقضي علي تماما، ثم شعرت بأنانية شديدة، وذنب كبير، لازلت أشعر به الآن، فأنا الناجية، ولدي رفاهية رواية الحكاية المريعة من زاويتي الضيقة، لكنني يجب أن اعترف أنني مفزوعة، وأنا لا أفزع بهذه السهولة، حتى حين يعطي وجهي هذا الانطباع، فزعت من هول الحادث، لا يخرج مشهد الضحايا المحترقين من رأسي، فزعت من تخيل وقع الحادث على كل من كانوا بالداخل، وعلى ذويهم، ورغما عني، تخيلتني مكانهم، فزعت من نجاتي، وتسائلت ان كنت فعلا استحق فرصة أخرى، وفزعت أكثر من احتمالية عبثية الأمر بأكمله، وأنه لا يوجد هناك في الحقيقة أسباب قدرية لمن مات ولمن نجا..

أخجل من فرض نفسي على هذا المشهد الموجع، ولكنني لا أستطع اخراج نفسي منه، أشعر بالحزن، والخوف، والارتباك، والامتنان، وأشعر أنني مدينة بحياتي لمن ماتوا بالداخل، مثلما أشعر بالمسئولية عن موتهم، أشعر بالضآلة الشديدة أمام القدر، وترتيباته، وأشعر بلا جدوى كل شئ. في رأسي هاجس قوي يخبرني أنني ربما نجوت هذه المرة لسداد دين ما، لانهاء فعل ما، ربما لأمر صالح فعلته، وربما للتكفير عن أمور سيئة فعلتها، لن أنسى بالتأكيد هذا اليوم ما حييت، لن أنسى السيدة المصدومة، التي جلست بجواري لاحقا، لتخبرني عما رأته بالداخل، وحين غفلت لدقائق استيقظت مفزوعة، ولن أنسى كل المصادفات التي أخرتني عن المحطة، وسأسعى بكل جهدي أن تكون نجاتي تلك ليست بقدر عبثية الحياة، كيفما استطعت..