الأحد، 28 ديسمبر 2014

عن هزيمتي الشخصية في الثورة

نعم إنها هزيمة شخصية.. لم يكن الأمر بالنسبة لنا نحن مجموعة الحالمين لعبة سياسية، لقد ظلت أرواحنا هناك وسط هدير الغاضبين الذين احتلوا الشوارع والميادين، وبقيت عقولنا معلقة بتلك اللحظة، لحظة النشوة بقرب تحقيق الإنتصار. لقد فتحنا قلوبنا وعقولنا تماما للحلم، وحين انكسر الحلم، انكسرنا معه، تفتتنا إلى أشلاء، وبقينا تائهين غير قادرين على التحرك قدما أو العودة إلى ما قبل ذلك المشهد المقدس. نعم نحن عالقين هناك، في رائحة البطاطا والغاز المسيل للدموع وعرق المتجمهرين، وفي الهتافات التي رجت أركان النظام، وفي الطرقات التي شربت دماء المغدور بهم، عالقين في الحلم والأمل اللذان تحطما في لعبة السياسة والمصالح.

خسرنا الكثير والكثير، خسرنا أرواحا، وخسرنا عيونا، وخسرنا عقولا، وخسرنا عمرا، خسرنا حياتنا السابقة بلا عودة. كيف نمضي قدما نحن المحظوظين قليلا الذين لم ينتهي بهم الحال في قبر أو في سجن أو هائمين في الطرقات؟ كيف نمضي قدما بذلك الشعور الثقيل بالعجز والذنب والألم؟ نعم نحِن إلى حياتنا السابقة، لكن دون قدرة على العودة إليها، فما أدراك وما كسرة الأمل! ربما لا علاقة لك بكسرة الأمل تلك، ولكنك بالتأكيد لست بريئا من كسرات الأمل الأخرى!

كيف تلومني على الذهاب كلما استطعت لانتظار قرار المحكمة في حق الثورة؟ ألدي اي خيارات أخرى؟ أنا الحرة الطليقة التي تمتلك رفاهية الحزن أو اليأس أو حتى الكتابة، ماذا عمن يدفعون الثمن للنهاية؟ رفاق وزملاء وأصدقاء ليس لديهم سوى الإنتظار في زنازين مظلمة لشهور وربما لأعوام، يذوقون فيها مرارة الهزيمة ومرارة الحرمان من الحرية في كل لحظة. ماذا فعلنا نحن وماذا فعلوا هم لنصل إلى تلك اللحظة البائسة؟ أتذكر وجه يارا ووجه نوبي ووجه محمود واتسائل عن الذنب الذي اقترفوه، لم يفعلوا شيئا أكثر مما فعلنا، لكنهم وحدهم يدفعون الثمن! كيف يمكنني تجاهل كل ذلك كأنه لم يكن!

لم ولن أنسحب من حياتي للتعلق بآمال زائفة، ولكني تعلمت صغيرة أن من يبدأ شيئا عليه أن ينهيه، ومن يفعل شيئا يتحمل عواقبه، وأنت تعلم جيدا انني لست هذا الشخص الذي يتهرب من مسئولياته. سأتحمل عواقب الهزيمة للنهاية، مثلما ساتحمل عواقب قراري بالبعد عنك للنهاية. وربما كانت لحظة الإنتصار والأمل هي التي اعادتني إليك يوما، ولكن ما دفعني بعيدا لم يكن هزيمتي في الثورة والتي سأتكفل بها، بل كانت هزيمتي في علاقة تباعدت بيننا فيها كل الطرق!


اليوم صدر حكم الإستئناف على يارا وسناء وغيرهم بعامين حبس، لأنهم طالبوا بنفس مطلبي ومطلب الثورة في الإفراج عن المعتقلين، فكانت النتيجة أن انضموا لهم. لم أشارك في تلك المسيرة ولكني شاركت في غيرها من التظاهرات والفاعليات المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وكان من الممكن أن اكون أنا او غيري محلهم أو معهم في السجون! فلما إذا يدفعون الثمن وحدهم؟ وهل نبخل عليهم حتى بالزيارة أو بالحزن؟ عامين كاملين.. اكثر من سبعمائة يوم بلا حرية وبلا حياة وبلا دفء الأقرباء، أتعلم ما هو قدر قسوة وبرودة السجون؟ بالتأكيد لا تعلم، ولا اعلم أنا أيضا. ولكن ما أعلمه جيدا أن تلك القسوة توجعني بشكل شخصي، وأن بكائي وغضبي على الثورة شخصي، وأن هزيمتي الآن، حتى وإن لم أقبل بها، شخصية، لأنني آمنت بالثورة طوق نجاة لي وللإنسانية من تلك الحياة البائسة.

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

النجمة الراقصة

في الواحدة بعد منتصف الليل بعد عشاء لطيف عند أصدقاء قدامى، عائدة إلى منزلي الجديد في سيارة صديق.. الطريق يبدو قصيرا للغاية رغم طول المسافة، صديقي غارق في التفكير، وأنا أيضا غرقت ولكني غرقت في الطريق الخالي إلا من بعض سيارات متناثرة، شعرت ببرد قاسي ربما ضاعفته تلك الألحان الحزينة لأغنية لتوم ويتس لم أسمعها من قبل.. شعرت للحظة أن هذا الطريق الطويل يبدو وحيدا للغاية، أشفقت عليه من كثرة الإطارات المتلاهثة فوقه أو قلتها في الوقت ذاته. شعرت بوحدتي الاختيارية أنا أيضا.  أتسائل إن كان ما فعلته صائبا أم لا، هل كان لدي الإختيار حقا!

تذكرت تلك النجمة الساطعة التي رأيتها اليوم مبكرا من شرفة الأصدقاء، وبدت لي كأنها فتاة ترقص في السماء ويحيط بها المشجعون، حاولت تخمين المسافة بيني وبين تلك النجمة ولكني فشلت بالطبع، كل ما استطعت فهمه أنه بقياس طول تلك المسافة مضروبا في قطر كوكب الأرض وربما المجرة كلها يمكننا قياس اتساع الدنيا. مئات الآلاف من النجوم والكواكب والنيازك والشهب، ومليارات الأميال من الطرق والجبال والبحار والصحاري، ومليارات من الكائنات الحية من بينهم البشر التائهين بين حدود وعوائق سياسية وإقتصادية وطبيعية ونفسية، بالإضافة إلى مليارات الكيلو جرامات من الفراغ الجوي، ومثلهم من الهواء بما يحمله من حياة ومن مليارات الأمتار من طاقات لكائنات حية وحتى جامدة، سابقة وحاضرة ولاحقة، وطاقات للحب والخيانة والكراهية والألم،  للخير والشر والميوعة، للإبداع والاكتشاف والحظ السعيد أو التعس. كيف إذا أشكو من ضيق الدنيا!

أفقت من غرقتي على سيارة لشخص مستهتر تصطدم بنا من ناحيتي، رأيت الموت يقترب مع اقتراب السيارة للباب المجاور لي، ولم أشعر بشئ.. لا يمكنني التيقن إن كنت شعرت بخوف في تلك اللحظة! لم أشعر بخوف من يقترب منه الموت مثلما نسمع من روايات من عادوا من تجارب مماثلة، ها أنا ذا عدت أيضا. أعتقد أن الإنسان لا يشعر بالخوف من الموت في حالتين، إما أن يكون شاعر بسعادة بالغة وتحقق كبير في الحياة بحيث لم يعد يرغب أو يتمنى المزيد، أو أنه يائس تماما للدرجة التي لم يعد يرغب فيها في أي شئ، رغم ما يبدو من إنطباق الحالة الثانية علي، إلا أنني لست بهذا القدر من اليأس بعد، ولكن هذا ليس أمرا هاما،  فالأهم أنني ألحت علي الفكرة التي تسيطر على عقلي كثيرا مؤخرا، وهي كيف أن العمر قصير جدا وقد ينتهي في أقل من لمحة عين!

كيف تفتح تلك الجملة القصيرة التي لا يزيد عدد كلماتها عن عشرة كلمات كل هذا القدر من التساؤلات العبثية والوجودية الآن في الثانية والنصف بعد منتصف الليل؟ لا لن استجيب لهذه التساؤلات المتزاحمة في رأسي.. ليس الآن.. فأنا الآن أفكر في الخسارة، ولكن ألا ترتبط الخسارة أيضا بالعمر القصير؟ بعض الخسارات رغم ما تحمله من ألم لا مفر منها، ولقد كانت خسارتي كبيرة في الأيام الماضية، وعلى مستويات عدة، ولم يحمني إتخاذي للقرار، مثلما تصورت، من هذا القدر الكبير من الألم.. ولكن لا وقت للألم في هذا العمر القصير، المشكلة أنه لا وقت لأي شئ سوى الألم، مهما حاولت جاهدة نسيانه، يحاصرني مجددا.

كم يشعرني نزع الأشخاص عني بالبرودة! ولقد قررت نزع أشخاص كانوا قريبين قرب الجلد من اللحم، أعلم أنني ابدو قاسية في كثير من الأحيان، ولكنني أقسو على نفسي ألف مرة قبل أن اقسو على أحد.. أحيانا أشعر أنه لا أحد يفهمني، ربما أعطي الإشارات الخاطئة، وربما أتصرف بجنون، وربما أتوقع الكثير من القريبين، أو بالأحرى أتوقع ما كنت سأفعله أنا لو كنت محلهم.. لست مثالية كما يقول عني البعض، فربما توقع بعض الأمور هو مجرد غباء، وربما التمسك ببعض المبادئ الإنسانية هو مجرد حماقة..

أكتب كثيرا هذه الأيام، أكتب لأشخاص عابرين وأشخاص قريبين وأشخاص مجهولين، أعطيهم دورا في بعض الأحيان لا يرغبون في أداءه أو لا يستحقونه، وقد ادفعهم بقوة خارج حياتي بقدر رغبتي في ابقائهم وبقدر خوفي من التعلق مجددا. ولكن ماذا إن دفعت الجميع خارج حياتي وبقيت وحيدة؟


تعود الآن النجمة الراقصة إلى مخيلتي، الرفيقة المثالية. لن تتوقع مني شئ ولن أتوقع منها شيئا أنا الأخرى، ستسمع شكواي المتكررة ونواحي كل مساء، وستحاول ان ترسل لي بعض البهجة، ستغوص في سماءات بعيدة حين تمل مني، وسأغلق انا النافذة ببساطة حين أمل منها، لنعود ونلتقي مجددا ربما في خلال سنوات، لنحسب سويا مدى اتساع الدنيا أو ضيقها في ذلك الحين..

الأحد، 7 ديسمبر 2014

فضفضة

قاعدة على الشلتة الملونة قدامي طرابيزة صغيرة عليها لاب توب ومزيكا كئيبة متناسبة مع المرحلة، بفكر وبفتكر وبسأل نفسي ايه الصح اللي عملته وايه الغلط! طب ايه الصح اللي المفروض اعمله وايه الغلط اللي مش المفروض يتعمل!

الحقيقة مش عارفة اقرر في اي حاجة ومش عارفة اقيم اي حاجة وده خاضضني فشخ!! حاجات كتير متلخبطة اكتر من قدرتي دلوقتي على فكها وحلها! وحاجات مش قادرة استوعبها!

ولأني مش قادرة اتعامل مع التوتر واللخبطة، ولأني عارفة اني في وقت مش بدرك حجم الحاجات زي ما هو بالظبط يمكن اقل ويمكن اكتر، فباخد احيانا خطوات ورا عشان احاول افهم ايه اللي بيحصل وانا فين منه!

مش قادرة خالص ان الناس تحملني حاجات مش بتاعتي، او حتى بتاعتي بس مش مقصودة، او ان الناس تبقى بتعملي توتر او ضغط باي شكل من الاشكال..

عارفة اني ببان شخص قوي ومتماسك ومن اللي بيواجهوا الحاجات بابتسامة وصدر رحب دول، وطبعا جزء من ده حقيقي، بس مش دايما بقدر اكون الشخص ده، ساعات بابقى بس محتاجة اقع وانهار، لكن انا حتى مش قادرة انهار دلوقتي.

بحكي وبقول وبفضفض للناس القريبة عشان الدنيا تفك وعشان يمكن الناس تبقى شايفة حاجات انا مش شايفاها، بس الموضوع اكبر من الحكي والفضفضة.. بتعصب وبتجنن وبهيبر وبكتئب وبأفور وبغلوش وبلعب كل الالعاب.

عارفة ان دي مرحلة وهتعدي، اتمنى تعدي قريب وبأقل خساير ممكنة

السبت، 22 نوفمبر 2014

بداية جديدة

انا خدت قرار كبير في حياتي على اعتاب ال29 ، قرار كان مؤجل، عوامل كتير وعلامات انا شاكرالها شجعتني اني مأجلش القرار أكتر من كده..

مش واعية قوي لسه للمرحلة الجديدة اللي هتبتدي في حياتي، برغم انه في خطوات باخدها بشكل ميكانيكي، بس كعادتي مع كل القرارات او المواقف الكبيرة بغلوش فشخ وقتها وبفهم بعدين انا واقفة فين بالظبط..

في قلق وخوف من مستقبل ومن مجهول ومن خناقات ومواجهات هاضطرلها، بس في كمان احساس فشيخ بالحرية، برغم ان عمر حريتي ما كانت مهددة، بس في ثقة اكبر في نفسي وقدراتي، عندي طاقة غريبة ورغبة غريبة في الانجاز،  والتنطيط، ومقابلة ناس جديدة ومرواح اماكن جديدة.

وعارفة ان الحياة عمرها ما بتقف، وانها بتبقى مليانة بالمفاجآت الحلو منها والوحش، في ماضي منيح بس مضى، ومكانش ينفع يفضل اكتر من كده، وفي مرحلة جاية هاقع وهاقوم فيها كتير لحد ما أقف على رجلي، بس الأكيد اني أبدا أبدا مش هافضل في منطقة مش مريحاني، ومش هابذل طاقة وادي فرص في حاجات انا شايفة اخرها كويس، هاعدي بوجع اكيد وبلخبطة ويمكن بوحدة، هاكتشف شوية ناس قريبة وهافرزهم، وهاكتشف ناس جديدة يطلعوا حلوين او وحشين، بس الاكيد انها هتروق وتحلى، وهارجع احب نفسي تاني، وماضطرش اعمل حاجات مش حابة اعملها، وماضطرش ابقى بشكل انا مش عايزة ابقى عليه.

شكرا للعلامات اللي اترمت من قرطاس على دماغي من السما

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

محاولات بائسة للتخلص من دماغي

بقالي كام يوم عايزة اكتب..انا عارفة الوقت اللي بتلح عليا الكتابة في المدونة كويس، ودايما بتبقى جاية من شعور متطرف يا بالانبساط يا بالحزن يا بالغرابة.. انا دلوقتي حاسة بالغرابة.. مقدرش امسك حاجة مضايقاني او معصباني بس متضايقة ومتعصبة..

الموضوع ابتدا بسلسلة احلام غريبة مالهاش اي دلالة غالبا بس غيرت مزاجي تماما، وبعدين هبت على دماغي افكار وجودية مقطوعة كده وتساؤلات مالهاش سبب واضح..

ما ينفعش اقول اني حاسة بملل ومعنديش اصلا منطق لاني احس بملل لان الحاجات اللي المفروض اعملها على مدار اليوم محتاجة اسبوع.. بس كل ده مش مهم.. المهم هو النغزة اللي بتيجي في القلب والسحبة اللي بتيجي في الروح، الموضوع ده اتكرر على مدار الايام اللي فاتت بشكل مش مفهوم ومش منطقي...

النتيجة اني بفرك زي النحلة يمكن اغلوش، مش عايزة اقعد لوحدي، مش عايزة اسيب نفسي لدماغي او قلبي او روحي يفشخوني كده..  وكل محاولاتي اني اطلع من نافوخي بتنجح مؤقتا بس..عندي احساس بتاع ان في حاجة كبيرة هتحصل! وده الحقيقة مخوفني.. ومخوفني كمان ان مفيش حاجة تحصل!

هو مش ملل زي ما اصحابي القريبين بيفسروه.. المشكلة اني كمان معنديش تبرير منطقي لحالتي، فلما بيقولولي ملل بقولهم آه وانا عارفة انه مش الملل.

عندي رغبة في التعبير عن كل مشاعري الغضبانة والمحبة والملانة والمبضونة والمفشوخة من غير اي تفكير ولا اعتبارات، ولحد دلوقتي اللي بيطلع غضب وزعيق في اي حد يهوب ناحيتي ويضايقني!

بس من يومين عيطت من غير سبب لما واحد صاحبي سألني انتي كويسة؟!! لأ انا مش كويسة واللي مزعلني اكتر اني حاسة اني عاملة زي العيل الصغير اللي بيعيط وبيزن على حاجة بس هو مش فاهم ولا واعي لسة هي ايه؟! ولا قادر ولا عارف يعبر عنها!!

الجمعة، 2 مايو 2014

صباح ثقيل

كيف تراكم كل هذا الثقل دون ان انتبه؟ أم انني كنت أخدع نفسي، ربما فانا أكثر شخص بالعالم لديه القدرة على مداراة الحزن بضحك هستيري غير مبرر، لا أتعلم قط، فكل ما أفعله كل مرة هو التأجيل والمراكمة، حتى اشعر في لحظة أنني غير قادرة حتى على الوقوف، وهنا ينتهز هذا الثقل الفرصة للهجوم والانتقام، لاثبات وجوده.

لا أعلم فعلا لم اشعر بكل هذا الحزن والثقل، فقدت منذ فترة ليست بقصيرة قدرتي على التمييز بين العام والخاص، ربما يأتيان معا، او ربما يطغى أحدهما على الآخر! اشعر بقبضة في قلبي تنبأني بأن امرا سيئا سيأتي! ولكن الم يأتي الأمر السئ أو بالأحرى أمورا سيئة! هل هذا جزء من لعبة يقوم بها عقلي الباطن للإنكار؟ 

لطالما افتخرت ولازلت أفتخر بانني شخص لا يحب وغير معتاد على الإكتئاب، وأن الاكتئاب دائما ما يمر سريعا خاطفا، لم أعد أدري حتى إن كان هذا صحيحا أم مجرد تصورات خاطئة عن نفسي. أفعل كل الامور الاعتيادية التي تبدو مصدرا للبهجة، كأن اسقي الورد الذي جلبته ليه صديقتي، وكأن أفتح نوافذ المنزل كل صباح ليدخل النور والهواء وونس الشارع والجيران المزعج أحيانا، أتناول وجبة الفطور وقهوتي المحببة إلى قلبي يوميا، وأسعى دائما لفعل أشياء غير اعتيادية كلما تحين الفرصة، أعمل أعمالا أحبها، حتى ثقل الأطعمة الدسمة أتخلص منه بنظام تغذية يساعدني على الشعور بالخفة. من اين ياتي هذا الثقل إذا؟ أتذكر آلاما مر عليها سنوات وكأنها حدثت بالأمس!

ثم ما سر أن كل ما مر من أوجاع تسبب فيها آخرون أو تسبب فيها تأنيب الضمير تصيب الفرد فجأة مع أول شعور بالألم، كيف أشعر الآن بألم لرفضي منذ أشهر إعطاء متسول في مدينة فرانكفورت يورو حين طلب مني مال وكنت أملكه، بالرغم من أني شعرت بشفقة وحزن من أجله، وحين تركني وذهب في السقيع بملابسه الرثة وحذائه المقطوع فكرت أن ألحقه وأعطيه اليورو ولكن عاقني ما أحمله من حقائب السفر الثقيلة!! لم لم أعطيه اليورو اللعين وأنا أدعي أنني أدعم الانسانية !!

هل هذا الثقل هو ذنب أو ذنوب اقترفتها؟ هل هو إدعاءات اقولها عن نفسي ليست حقيقية! أظل افكر في كل فعل كان بإمكاني أن أقوم به لمساعدة شخص ولم أفعل بسبب الكسل أو الأنانية أو عدم الاهتمام، افكر في وجوه كثيرة بائسة لسيدات او رجال عجائز أمر بهم في الطريق وأنا في سيارة أجرة مكيفة، وأفكر لو اقف لهم وأدعوهم للركوب معي بدلا من انتظارهم الطويل للاتوبيس المزدحم الذي لن ياتي! فكرت في ذلك عشرات المرات ولم افعل ذلك ولو مرة واحدة! ولكن إن فعلت هل يأتي هذا الفعل بسبب أنانية أيضا؟ كأن أكون فقط راغبة في اشباع إحساس لدي بفعل الخير او بدعم الانسانية؟ هل سيكون الفعل نفسه إن صدر رغبة مني في الاحساس بالزهو أو إن صدر دون إي حسابات او اشباعات شخصية؟ ماذا عن الأولويات ؟ حين أفضل مصلحتي الشخصية عن العامة فيكون مثلا لعملي أولوية عن مظاهرة في قضية أؤمن بها كالإفراج عن المعتقلين؟ وماذا عن الأشخاص الذين قد آذيتهم بقصد أو بدون قصد؟ هل أجلد نفسي الآن أم احاسبها؟ هل فعلت أكثر مما يفعله الإنسان بتناقضاته وطبيعته البشرية؟ وهل أسعى للكمال والملائكية؟ وهل يمنع احساسي بالذنب هذا أن أكرر الفعل ثانية؟

لكن ماذا عن الشعور بالعجز؟ ماذا ان كنت فعلا عاجزة عن فعل الشئ كأن أعيد شخصا للحياة، أو كأن أمنع سوءا عن أشخاص احبهم أو حتى لا أعرفهم ولكنهم لا يستحقون ما يحدث لهم من سوء؟ هل يكفي الشعور بالتضامن مع صديق مريض أو يمر بازمة أو مع من يقبع في زنزانة مظلمة أو بمن ينتظر حكما للاعدام؟ هل هذا يكفي؟ وهل يمكنني في الأصل أن اشعر بشئ لم أجربه من قبل؟

وماذا عن شعوري بألم قد تسبب فيه آخرون، هل يقصدون ذلك؟ ربما قصدوا وربما لا! هل سبب هذا الوجع فقط توقعاتي الدائمة الأعلى من قدرات المحيطين بي؟ ولكن على الناحية الأخرى، ماذا لو كانوا هم ايضا ينتظرون مني اشياء لا يمكنني فعلها؟ وماذا لو كانوا يتحملون عيوبي التي لا انتبه أنها قد تسبب لهم ألما؟  وهل أنا في الأساس على دراية بتلك العيوب؟ هل أنا على دراية بما حدث لي من تغيرات ربما يكون فيها الايجابي ولكن الأكيد أن بها السلبي أيضا. الأكيد أنني بت أكثر عندا وعصبية وحساسية وطاقتي على التحمل والتسامح قلت كثيرا، هو تقدم السن ربما رغم انني لازلت في الثامنة والعشرين من عمري!

ربما اقول لنفسي كل هذا لأساعد نفسي على التخلص من هذا الثقل، أو أكتب كل هذا لأنحي هذا العبء جانبا، وغدا سأنسى ما كتبت أو ما شعرت، لأعاود الكرة من جديد.


الأحد، 9 مارس 2014

احتمال



إيه احتمالية انك تبقى قاعد وتبص على الشباك تلاقي جودزيللا معدية من جنب بيتكوا! أو  إيه احتمالية انه وأنت قاعد طبق طاير يقع فوق سقف بيتك في الدور الأخير! طب وإيه احتمال انه زرعة عندك في البيت تتضخم وتتحول لكائن بيتحرك ويهجم عليك!

طيب إيه احتمالية انك كنت تتولد في ألمانيا، اسبانيا، ايطاليا، أو أمريكا! أو إيه احتمالية انك كنت تتولد في الصومال، أفغانستان، أو رواندا! أو احتمالية انك كنت تتولد في ساحة حرب، فوق جبل، أو في غابة!

إيه احتمالية انك كنت تتولد في القرن الستاشر، أو الأربعينات! أو عصر الديناصورات! وقد إيه احتمالية انك كنت تتولد في القرن الأربعين!

طب إيه احتمالية انك كنت تتولد طفل شارع! أو ابن أغنى رجل في العالم! أو يمكن كنت تتولد ابن ساحر أو ابن رئيس جمهورية!

إيه احتمالية انك كنت تطلع  دمك ثقيل وشرير والناس بتكرهك! أو انك تبقى ملاك من السما أو انك تبقى كوميديان ماحصلتش! أو انك تبقى شخص عادي! او شخص مميز جدا مخترع مثلا (بس مش الكفتة)!أو ممثل شهير جدا في هوليوود!

طب إيه احتمالية انك كنت تتولد كائن مش بني ادم حصان، شجرة، فرخة، أو سمكة في محيط!

إيه احتمالية إن أحلامك تتحقق أو تتغير أو حتى ماتتحققش! 

باختصار إيه احتمالية أي حاجة كان ممكن تحصل أو لسه هتحصل!

أنا بتخيل الحاجات دي وعكسها طول الوقت ومش بحس بالرضا أو بالسخط على الدنيا! لا بفكر نفسي إن الدنيا أوسع من قدرتنا على الاستيعاب وكل الاحتمالات الأسوأ أو الأحسن أو حتى العبيط والخيالي منها كان ممكن يحصل أو لسه هيحصل :)  :p

الأحد، 5 يناير 2014

ستائري والرقص والكتابة

نسمة هواء خفيفة تدفع ستائري الحريرية الخفيفة إلى التراقص، وكأنها قد سمعت للتو مقطوعة موسيقية هادئة. ترقص في تناغم غير عابئة بالظلام الذي حل بالداخل، أو بالغيوم التي تراكمت في الخارج، تبدو فرحة حتى وإن كانت حزينة.. فالرقص دائما رمز للفرح حتى إن خبأ في طياته ألما أو كان بابا للهروب.

يدفعني هذا التمايل للشعور بالغيرة من ستائري، لا أذكر المرة الأخيرة التي رقصت فيها من فرط السعادة، أو حتى من وطأة الألم. جل ما أفعله الآن هو أن اتمايل برأسي وأنا جالسة، أو أن أحرك صوابع قدمي داخل الحذاء! هل فقدت حاسة الرقص لدي؟ فالرقص حاسة، وهي بالمناسبة لا ترتبط فقط بالسمع، بل هي تجسيد لحواس الإنسان مجتمعة.

ربما هو ذلك الثقل الذي يعيق الحواس، ثقل الذاكرة وثقل العقل والأفكار، ربما هي تلك العادية،أو هذا الملل. لذا فأنا أحسد تلك الستائر التي تتمايل في خفة ودلع، وتعكس ما تبقى من آشعة الشمس التي تأخرت عن موعدها في الذهاب إلى تلك البقاع الأخرى البعيدة على الكوكب، تاركة ربما متأمل آخر مثلي يتساءل هناك عن سبب تأخر النهار.

إذا هل العيب بي أم بالرقص نفسه؟ هل اصبح مبتذلا هو الآخر مثل أشياء كثيرة في الحياة ؟ هل فقد قدرته على إغوائي؟ أو ربما أكون أنا فقط أبالغ كعادتي في التعبير عن افتقاد الأشياء، أو حتى الخوف من فقدها. ربما أدعي الاشياء، ربما أبحث عن اسباب للكآبة دون داعي، ربما استمتع بالكآبة على عكس ما يظن المقربون، أو كما يظن بعضهم!

أكتب كثيرا وأتأمل أكثر هذه الأيام، لم أعد حتى أستطيع التمييز إن كان هذا من عاداتي أم أنه أمر موسمي، وهل هو أمر جيد أم لا! لا أهتم إن كانت كتابتي جيدة أم ركيكة، ولا أملك رسالة معينة وراء الكتابة، أو أشخاص معينون اكتب إليهم، بل إنني حتى لا أكتب لنفسي. فقط أكتب لإشباع رغبة ملحة. أكتب عن اي شئ وعن كل شئ ككاتبة محترفة، لا أعلم ان كانت هذه الكتابة ستلقى مصير الأخريات في صندوق قمامة جهاز الحاسوب الخاص بي، أم أنها ستنجو. في كل الأحوال هذا لا يهم. فقبل مسح ما أكتبه أعيد قراءته لما لا يقل عن عشرة مرات، وكأنني أقرأ شيئا للمرة الأولى لشخص لا أعرفه.

تتناقض بداخلي الآن مشاعر الغضب والفرح والحزن والملل والحماس! تتعارك جميعا في معركة خاسرة، والنتيجة إحساس لا طعم له ولا شكل، ربما ذلك الإحساس الغريب هو ما يدفعني للكتابة، وإدعاء الحرفية، أو التأمل. 

ذهبت بعيدا عن الرقص الآن، وفقدت الخيط تماما، ربما هذه التوهة هي التي تمنعني من التركيز، حتى في شئ بسيط  أحبه كالرقص...